وأما جنوده فجمهورهم في سكر الهوى، وزينة الدنيا، وقد انضاف إلى ذلك الجهل وعدم العلم، فلا يؤلمهم ذنب ولا ينزعجون من لبس الحرير أو شرب الخمر، حتى ربما قال بعضهم: أيش يعمل الجندي؟ ألبس القطن؟ ثم أخذهم للأشياء من غير وجهها فالظلم معهم كالطبع | وكذلك من وسائل التطبيق والعمل بالعلم: أن نجتنب الاستزادة من العلوم التي تطبيق غيرها أفود منها، وعدم التبحر في علوم نظرية يكون تطبيق الأخرى أولى مثل الإغراق في علم النحو، ليس الاهتمام، الاهتمام مطلوب |
---|---|
وكذلك من الأسباب التي ينبغي أن يحرص عليها الإنسان في هذا: الحرص على العلوم النافعة؛ لأن العلوم الضارة لو طبقها تضره، وأقل ما فيها أنها تضيع الوقت، وسأل رجل الإمام أحمد عن العبد المدبر، فقال له الإمام أحمد: لو احتلمت وأنت صائم ماذا تصنع؟ قال: لا أدري، قال: اشتغل بما ينفعك | لماذا نجد كثيرًا من الناس يحملون شهادات شرعية وحصلوا أشياء من العلم، وآخرين حفظوا متونًا وقرأوا كتبًا وحضروا حلقًا لكن أثر العلم لا يظهر عليهم لا في سمتهم ولا في طريقتهم ولا في أخلاقهم وفي عباداتهم؟ لماذا نجد في الواقع بعض الناس الذين قرأوا لكن لم تظهر أثر القراءة عليهم لم يظهر الانتفاع لم تظهر الثمار؟ بل نجد أحيانًا بعض الناس وربما نجد أنفسنا في بعض المواقف نمر بالموقف ولا نعمل بالحكم الذي نعلمه في هذا الموقف، أحيانًا نذهل عنه ونغفل، وأحيانًا نتذكره ولكننا نتقاعس ونتكاسل |
هذه عبارة مهمة جداً جدا "كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به، وكنا نستعين في طلبه بالصوم" نصوم حتى نطلب العلم، ما ننشغل بطعام وشراب في طلبه، ونستعين على حفظه بالعمل به.
وهذه العلوم إنّما هي فرض عين على كل مسلم، وأول واجب عليه أن يتعلّم معنى التوحيد والشهادتين -علم العقيدة-، ثم علم الفقه والعبادات كمعرفة أحكام الطهارة والصلاة والصيام وغيرها، ولا تقلّ أعمال القلوب عنها أهمية كمحبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإخلاص وحسن التوكل والرضا وغيرها | وهذا المعنى هو تفسير كلام بعض السلف الذين ورد في كلامهم شيء من الندم على التطواف في جمع الحديث، وأنهم رحلوا وكتبوا وجمعوا، فما نقل عنهم في الندم في هذا: القصد منه أنهم قالوا: ليتنا كنا شغلنا الوقت بالعمل، وإلا فهم مأجورون على جمعه والرحلة فيه وحفظه وكتابته ونقله، وهم بصدق نيتهم يكون لهم أجر من عمل بهذا العلم الذي نقلوه |
---|---|
أما أن يقول: تجلس عندي ولا تجلس عند غيري، ولو كان عند غيره فائدة، هذا إنسان صاحب دنيا وهوى، هذا صاحب شهوة يريد أن يجمع الناس حوله ولا يريد أن ينفضوا من عنده | وهذا الذي يتتبعه يجده كثيراً في أفعال السلف، أنهم كانوا بمجرد أن يعلموا الشيء يعملوه مباشرة، يطبقوه مباشرة، حتى أن واعظًا من الوعاظ قيل له: حث الناس على العتق، وكان فقيرًا فلم يتكلم إلا بعد مدة، فلما سئل عن سبب تأخره قالوا: طلبنا منك تحث الناس على العتق؟ قال: انتظرت حتى تجمع لي مال فأعتقت ثم تكلمت عن العتق، يعني لا يريدون أن يتكلموا في شيء من دون عمل رحمهم الله تعالى |
فإذًا، الإنسان لا ينهى عن التعلم والازدياد من العلم، لكن ينهى عن ترك العمل بالعلم، فإذا علم شيئًا سعى إلى تطبيقه وتنفيذه، وهذه سمات المخلصين الصادقين.
20