دوام ذكر سيرته صلى الله عليه وسلم تذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في حرصه على أمته ورأفته بهم، ودوام ذكر سيرته سبب من الأسباب الجالبة لمحبته، السيرة اقرأها صباحاً ومساءً، وعلمها أبناءك، كما قيل عن السلف: كانوا يعلموننا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعلموننا الآية من القرآن | |
---|---|
هاهنا وقفات نبدأها بمفهوم ومعنى محبة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ونعرج من بعد على حكم هذه المحبة، ثم نقف مع دواعيها التي تحث عليها وتقرب إليها، ثم نتوقف عند الأسباب التي تجلب تلك المحبة، لنخلص منها إلى الصور والمظاهر التي تبديها لنا وتكشفها لنا في واقع مشاعرنا وكلماتنا وأفعالنا، ثم وقفة قبل الختام في ثمار هذه المحبة وخيراتها وآثارها، لننتهي إلى المحبة بين الغلو والجفاء، ولعلنا نستطيع أن نلم بذلك وإن كان في الأمر عسر، فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال القائل: أبر بني الدنيا وأعظم من شكر وأكرم مخلوق على سائر البشر به الله قد أهدى إلى الناس رحمةً ومنه ضياء الحق في الكون قد ظهر تبارك ربي إذ أعد محمداً وزكاه بالتقوى وبالعلم والخبر ثبات اعتقاد الحق من أخلاقه وخير عباد الله أقدر من صبر جهير بأمر الله يدعو مبشراً وينصح من لاقاه بالآي والنذر حري بإصلاح الفساد ومرشد إلى سبل الخيرات في البدو والحضر دعا الناس بالتوحيد والحب والوفا وجادل بالحسنى وأقنع بالأثر ذرا الهمة القعساء بعض صفاته وأقدم مقدام وأحلم من قدر رعاه إله الكون خير رعاية فأنبت نبتاً طيب الأصل والثمر عليه الصلاة والسلام | وقد قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية لما بلغه أن بعض الناس يذهبون إليها ويصلون عندها؛ خوفاً من الفتنة بها وسدا للذريعة |
قال في كلامه على معتقد أهل السنة والجماعة: إذا رأيت أحداً ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما نقل ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والطعن بهم أولى، وهم زنادقة.
4علم أمته كل شيء، وكان عليه الصلاة والسلام لا يدع فرصة إلا ويعلمهم، ولا يدع فرصة إلا ويقول: حتى جئنا إلى أيامنا هذه وإلى ما بعدها وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، نراه في يقظته ومنامه، وحله وترحاله، وسلمه وسفره، بل نحن نعرف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من سيرته أكثر مما نعرفه عن أنفسنا، من يعرف منا عن صغره؟ من يعرف منا حاله في نومه أو يقظته؟ رصدت حياته صلى الله عليه وسلم، ورصد لنا وصفه، وكم شعرةً بيضاء في لحيته، كل ذلك في وصف دقيق بليغ حتى كأن كل شيء في حياته ولد في وضح النهار | |
---|---|
والواجب على المسلمين الاتباع والتقيد بالشرع، والحذر من البدع القولية والعملية، ولهذا لم يتبرك الصحابة رضي الله عنهم بشعر الصديق رضي الله عنه، أو عرقه أو وضوئه ولا بشعر عمر أو عثمان أو علي أو عرقهم أو وضوئهم، ولا بعرق غيرهم من الصحابة وشعره ووضوئه؛ لعلمهم بأن هذا أمر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقاس عليه غيره في ذلك، وقد قال الله عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ | غيرَ أنَّ تنزيلَ هذا الحديثِ على ذلك المعنى غيرُ صحيح ؛ لأنَّ اعتقادَ الأعظَمِيَّةِ ليس بالمحبَّةِ ، ولا الأحبِّيَّة ، ولا مستَلْزِمًا لها ؛ إذْ قد يجدُ الإنسانُ من نفسه إعظامَ أمرٍ أو شخصٍ ، ولا يجدُ محبَّته ، ولأنَّ عمر بن الخَطَّاب ـ رضى الله عنه ـ لَمَّا سمع قولَ النبيِّ ِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، قَال : يَا رَسُولَ اللهِ! فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: الآن يا عمر , فحب النبي - صلى الله عليه وسلم- يجب أن يكون أعظم حب بعد حب الله تبارك وتعالى، أعظم من حب الولد والوالد، وأعظم من حب الوالدة والإخوة، ومن حب المال والدنيا، وأعظم من حب الزوجة بل أعظم من حب النفس، فإذا لم يكن هذا هو واقع محبة النبي في قلب المسلم فإنه لا يذوق حلاوة سنته، قال سهل: "من لم ير ولاية الرسول- صلى الله عليه وسلم- في جميع الأحوال ويرى نفسه في ملكه - صلى الله عليه وسلم- لا يذوق حلاوة سنته، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه |
وبعض الناس يتعجل فيرى العاصي فيقول: إنه مبغض لرسول الله، أو كاره لرسول الله | فأما التمسح بالأبواب والجدران والشبابيك ونحوها في المسجد الحرام أو المسجد النبوي، فبدعة لا أصل لها، والواجب تركها؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أقره الشرع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري رحمه الله في صحيحه جازما بها: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ، والأحاديث في ذلك كثيرة؛ فالواجب على المسلمين التقيد في ذلك بما شرعه الله كاستلام الحجر الأسود وتقبيله، واستلام الركن اليماني |
---|---|
فقال: أجعلتني لله ندا، بل ما شاء الله وحده ، وقال: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم ما شاء محمد ، ونهى عن الحلف بغير الله تعالى فقال: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ، وقال: من حلف بغير الله فقد أشرك وقال: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، وإنما أنا عبد الله فقولوا: عبد الله ورسوله | وليس الأمر كذلك، فتعظيم النبي عليه الصلاة والسلام واجب، ومحبته واجبة، ومادام ذلك قد ثبت في سنة النبي عليه الصلاة والسلام وفي معجزاته من تفجر الماء من بين يديه، وانشقاق القمر، وفي خصائصه وشمائله الكثيرة المأثورة المذكورة المشهورة التي امتلأت بها صحاح كتب السنة فلماذا لا نعظم النبي صلى الله عليه وسلم؟ لماذا لا نثير هذه السيرة والمواقف لتكون محبته أعظم في القلوب؟ ليس هناك من حرج ولا حساسية، وإن كان هناك من يغلو فلا يسعنا أن نسد أو نوقف أو نمنع هذه الأحاديث والأحوال ونقول: سداً لباب الذريعة! كيف يمكن لأحد أن يدعي محبته وهو يظن أو يتهم أو يشنع على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين؟ كل هذا ضرب من الهجران والجفاء الذي هو من أشد وأفظع ما يرتكبه مسلم في بعده عن دين الله عز وجل، وعن مقتضى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم |
هل أنتم أعلم أو أحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! والمحبة في لغة العرب يعرفونها بضدها لوضوحها وجلائها، فإن ذهبت إلى جل المعاجم وجدتهم يقولون: المحبة ضد الكره والبغض، وأُحِبُّه أي: أوده.
12